سورة الحجر - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}
يذكر تعالى عن الملائكة أنهم أمروه أن يَسري بأهله بعد مضي جانب من الليل، وأن يكون لوط، عليه السلام، يمشي وراءهم، ليكون أحفظ لهم.
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الغَزاة بما كان يكون ساقة، يُزجي الضعيف، ويحمل المنقطع.
وقوله: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} أي: إذا سمعتم الصيحة بالقوم فلا تلتفتوا إليهم، وذروهم فيما حل بهم من العذاب والنكال، {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} كأنه كان معهم من يهديهم السبيل.
{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ} أي: تقدمنا إليه في هذا {أَنَّ دَابِرَهَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} أي: وقت: الصباح كما قال في الآية الأخرى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]


{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)}
يخبر تعالى عن مجيء قوم لوط لما علموا بأضيافه وصباحة وجوههم، وأنهم جاءوا مستبشرين بهم فرحين، {قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ}
وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم بأنهم رسل الله كما قال في سياق سورة هود، وأما هاهنا فتقدم ذِكرُ أنهم رسل الله، وعطف بذكر مجيء قومه ومحاجته لهم. ولكن الواو لا تقتضي الترتيب، ولا سيما إذا دل دليل على خلافه، فقالوا له مجيبين: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} أي: أو ما نهيناك أن تضيف أحدًا؟ فأرشدهم إلى نسائهم، وما خلق لهم ربهم منهن من الفروج المباحة. وقد تقدم أيضا القول في ذلك، بما أغنى عن إعادته.
هذا كله وهم غافلون عما يراد بهم، وما قد أحاط بهم من البلاء، وماذا يُصبحهم من العذاب المستقر؛ ولهذا قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} أقسم تعالى بحياة نبيه، صلوات الله وسلامه عليه، وفي هذا تشريف عظيم، ومقام رفيع وجاه عريض.
قال عمرو بن مالك النُّكْري عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، أنه قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال الله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} يقول: وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا {إنهم لفي سكرتهم يعمهون} رواه ابن جرير.
وقال قتادة: {فِي سَكْرَتِهِمْ} أي: في ضلالتهم، {يَعْمَهُونَ} أي: يلعبون.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {لَعَمْرُكَ} لعيشك، {إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} قال: يتحيرون.


{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}.
يقول: تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} وهي ما جاءهم من الصوت القاصف عند شروق الشمس، وهو طلوعها، وذلك مع رفع بلادهم إلى عَنان السماء ثم قلْبها، وجعل عاليها سافلها، وإرسال حجارة السجيل عليهم. وقد تقدم الكلام على السجيل في سورة هود بما فيه كفاية.
وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} أي: إن آثار هذه النقم ظاهرة على تلك البلاد لمن تأمل ذلك وتوسَّمه بعين بصره وبصيرته، كما قال مجاهد في قوله: {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} قال: المتفرسين.
وعن ابن عباس، والضحاك: للناظرين.
وقال قتادة: للمعتبرين.
وقال مالك عن بعض أهل المدينة: {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} للمتأملين.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا محمد بن كثير العَبْدي، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا فِرَاسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله». ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}
رواه الترمذي، وابن جرير، من حديث عمرو بن قيس الملائي وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال ابن جرير أيضًا: حدثني أحمد بن محمد الطوسي، حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا الفرات بن السائب، حدثنا ميمون بن مِهْران، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا فِرَاسَة المؤمن؛ فإن المؤمن ينظر بنور الله».
وقال ابن جرير: حدثني أبو شرحبيل الحِمْصِيّ، حدثنا سليمان بن سلمة، حدثنا المُؤَمَّل بن سعيد بن يوسف الرحبي، حدثنا أبو المعلى أسد بن وداعة الطائي، حدثنا وهب بن مُنَبِّه، عن طاوس بن كَيْسَان، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احذروا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله وينطق بتوفيق الله».
وقال أيضًا: حدثنا عبد الأعلى بن واصل، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، حدثنا عبد الواحد بن واصل، حدثنا أبو بشر المزلق، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم».
ورواه الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا سهل بن بحر، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، حدثنا أبو بشر- يقال له: ابن المزلق، قال: وكان ثقة- عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم».
وقوله: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} أي: وإن قرية سدوم التي أصابها ما أصابها من القلب الصوري والمعنوي، والقذف بالحجارة، حتى صارت بحيرة منتنة خبيثة لبطريق مَهْيَع مسالكه مستمرة إلى اليوم، كما قال تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِالَّليْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات: 137، 138]
وقال مجاهد، والضحاك: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} قال: مُعَلَّم.
وقال قتادة: بطريق واضح.
وقال قتادة أيضًا: بصقع من الأرض واحد.
وقال السدي: بكتاب مبين، يعني كقوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] ولكن ليس المعنى على ما قال هاهنا، والله أعلم.
وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: إن الذي صنعنا بقوم لوط من الهلاك والدمار وإنجائنا لوطا وأهله، لدلالة واضحة جلية للمؤمنين بالله ورسله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8